لماذا لم أعد أهتم بالشأن العام؟
اليوم قمت بمقارنة سعر البيض عند البقال و في المغازة، أشتري فقط البيض من عند البقال المجاور ودائما ينظر لي شرزا حين أمر أمامه بكيس المشتريات …كنت بقالا و أعرف كيف يفكر البقال…أزمة السكر قديمة والزيت والحليب ، لكننا كنا نتقن توزيعها على الحي الذي كنا نسكن فيه…
كيس السكر كان مخبأ تحت في الخلفية وكنا نبيع سندويتشات بقالي لعمال الحضائر ، الجيران كانوا يقولون مستحيل أن تكونوا بقالين ، البقال هنا يسمى عطار…
وحدة بيع البيض هنا الأربع بيضات تسمى حارة ، عند العطار ب1400 يعني البيضة ب350 مليم و في المغازة العامة ب 30 بيضة ب13 دينارا يعني البيضة ب450 مليم…أحتاج البيض لأنني أذهب للتمرين فأحضر أوملت عوض إستعمال البروتيين الصناعي…
لدي أرشيف من الصور لكل المهن العرضية التي مررت عليها …
تجولت في المغازة العامة ، الأرز مفقود وغال جدا …
مستشار زراعي كالعادة
كلمني رجل من أجل زراعة الفستق في مدنين فأخبرته بأنه لا ينجح ، كان عنيدا جدا ، ثم أصر على شراء شتلات من أجل التجريب و كذلك الخروب ، لدي مشتلين أعرفهما أحدهما يبيع الفستق و الآخر الخروب ، أرسلت له عنوانهما .
منبت الخروبة من الوسلاتية وهم يسكنون أعالي الجبال لأن الباي في الماضي (حاكم تونس) كان يرسل لهم الصبايحية من أجل تأديبهم وفرض الضرائب فسكنوا أعالي الجبال …
يقول أحمد بن ابي الضياف مؤلف كتاف الاتحاف عن سكان جبل وسلات واصفا شجاعتهم والقوة التي عرفوا بها وإستعدادهم لسند كل من أراد الثورة ضد السلطة المركزية…يقول فيهم : ” فإذا هرب اليهم هارب وفي البلاد راغب…فزعوا…واليه تجمعوا…فجاء من قدر على حمل النبال…ومنازلة الرجال…”
قصة الوسالتية
هم سكان جبل وسلات Usalitanus الواقع على بعد 40 كلم غربي القيروان و يعتبر PELLEGRIN أن أصل تسمية الجبل و أهله تعود إلى كلمة ” ايزلاي ” Uzalae و هي كلمة بربرية ترمز إلى الحديد و الصلابة كما ترمز إلى الشجاعة و الفتوة . تميز هذا الجبل بكثافة سكانية هامة في أواخر العصر الوسيط ، إذ كان ملجأ للمزارعين و السكان المحليين في الفترات التاريخية الحرجة خاصة فترة زحف القبائل الهلالية على وسط افريقية و تخريب القيروان و المدن المجاورة لها مثل آجر و جلولاء و مجقة فتفرق سكان هذه المدن المندثرة في سائر البلاد و لجأ عدد هام منهم إلى الجبل و شيدوا تجمعات سكنية محصنة مثل الجوزات و تيفاف و دار اسماعيل و دار الدرب و نحال و القيطنة و غيرها ، فقد مثل جبل وسلات حصنا منبعا لسكانه. و تذكر المصادر أنه رغم قوة الأغالبة و تفوقهم العسكري وجدوا صعوبات في السيطرة على الجبل و جباية الضرائب من سكانه .
ينقسم الوسالتية إلى خمسة مجموعات كبرى أو أخماس أهمها عددا خمس أولاد إسماعيل أو السماعلة ( العرماوي ، القصباوي ، عاشور ، الجبالي ، دعلوش ، الهنشيري ، بودبوس ، السليتي …) و يأتي بعدهم من حيث الأهمية العددية خمس أولاد جبيل ( الخنيسي ، زيتون ، الذيب ، الجبيلي ، الهيشري …) ثم خمس تيفاف ( النحالي ، الصلعاني ، بن تمسّك ، بن سليمان …) و خمس بورحال أو الخمس ( الخمسي ، العيشي ، بن رحال ، بورحال …) أما خمس أولاد مانس فهم الأقل عددا .
و يعود معظم هذه المجموعات إلى قبيلة مزاتة البربرية المتفرعة عن لواتة و التي حافظت على مذهبها الاباضي إلى حدود القرن 12م .
تميز الوسالتية بارتباطهم الشديد بجبلهم فأغلب ألقابهم اقترنت بأسماء أماكن و قرى الجبل فنجد مثلا :
القصباوي نسبة للقصبة إحدى قرى الجبل _ القصري نسبة لبلد القصر _ الجلولي نسبة لزاوية جلولاء _ العرماوي للعرمة إحدى قرى الجبل _ القُلعي أو القُلعاوي نسبة للقُلعة _ النحّالي نسبة لبلاد النحل _ الكرامتي نسبة لزاوية و دشرة كرامت _ زغدان نسبة لكاف زغدان _ ابن بقور أو البقوري نسبة لواد البقور _ ابن قيطون أو القيطوني نسبة لكاف القيطون و غيرها من الألقاب
فرابطة المكان أقوى من الروابط الدموية لدى الوسالتية و هو ما يفسر وجود تناقضات و اختلافات داخل هذه المجموعة . فنجد مثلا في دفاتر المجبى فصلا بين أولاد مانس و بقية أخماس الوسالتية و ذكرت لنا المصادر كذلك خروج أولاد مانس عن إجماع الصف الوسلاتي و ذلك برفضهم المشاركة في ثورة علي باشا على عمه سنة 1728 بل ساندوا قوات حسبن بن علي و تذكر المصادر أيضا أنهم حاولوا العودة لسكنى الجبل بمفردهم سنة 1762 بعد اتخاذ الباي لقرار إجلاء الوسالتية من الجبل إلا أن محاولتهم باءت بالفشل و عرفوا بدورهم نفس مصير التشتيت ، فاختاروا الاستقرار في مناطق مختلفة و مستقلة عن مناطق استقرار بقية الوسالتية . فكان خمس أولاد مانس مستقلا بوضعية إدارية خاصة عن بقية الشتات .
اعتمد الوسالتية في نشاطهم الاقتصادي على الزراعة الجاهدة التي تعتمد أساسا على استغلال تقنيات الري و تربية النحل و خاصة غراسة الزياتين في سفح الجبل .
سطع نجم الوسالتية مع بداية التواجد العثماني بتونس في النصف الثاني من القرن 16م فقد لعبوا دورا بارزا في الصراع بين القبائل المحلية و السلطة العثمانية التي واجهت مقاومة شديدة من الوسالتية الذين رفضوا دفع الضرائب و تحصنوا بقمم جبلهم. و أشارت كل المصادر إلى مشاركة الوسالتية في أغلب الانتفاضات و الثورات خاصة في القرنين 17 و 18م فكان الجبل المنيع ملاذا و ملجأ لكل ثائر أو خارج عن السلطة المركزية فاحتضن الشيخ أبا القاسم الشوك الذي قاد انتفاضة الوسالتية سنة 1674م و من بعده مراد الثالث ( بوبالة ) سنة 1699م ثم علي باشا سنة 1728م و أخيرا حفيده إسماعيل بن يونس سنة 1759م .
و مثلت حادثة التحاق علي باشا بجبل وسلات و الاحتماء به نقطة تحول هامة في تاريخ الجبل و سكانه. ففي سنة 1728 فر علي باشا مع ابنه يونس و مناصريه إلى جبل وسلات لينظم صفوفه استعدادا للانقضاض على عرش عمه حسين بن علي و لكن بهزيمة الباشا و فراره إلى الجزائر أمر حسين باي بإجلاء الوسالتية من الجبل فكانت أول عملية تهجير تعرض لها الوسالتية و استمرت إلى حدود سنة 1735م تاريخ عودة علي باشا مع عسكر الجزائر و الحنانشة إلى تونس و الجلوس على العرش الحسيني فأمر بعودة الوسالتية إلى موطنهم .
و اقتداء بجده لجأ إسماعيل بن يونس إلى جبل وسلات سنة 1759م و أعلن الثورة ضد علي بن حسين ، فاجتمعت حوله بعض القبائل الباشية مثل أولاد عيار و الوسالتية و ماجر و أولاد سعيد … و لكن تمكن علي باي من القضاء على هذه الثورة و ذلك بمحاصرة الجبل بواسطة القبائل الحسينية مثل جلاص و أولاد عون و دريد و خاصة الكعوب و القوازين العدو الأساسي للوسالتية ، فقطعوا المؤونة عن سكان الجبل الذين عانوا الكثير من هذا الحصار الذي تواصل ثلاث سنوات . وفي سنة 1762م فرّ إسماعيل بن يونس إلى الجزائر و ترك أهل وسلات لمواجهة مصيرهم بعد أن أدرك الفرق الكبير في موازين القوى خاصة بعد حملة علي باي على أولاد عيار و هزيمة أولاد إسماعل أمام أولاد عون . ولما شاع خبر هروب إسماعيل بن يونس إلى تبسة، استسلم الوسالتية و أعلنوا خضوعهم للسلطة المركزية و طلبوا الأمان فأمنهم الباي على أرواحهم شرط أن يخلوا الجبل و أن يتفرقوا في البلاد . فكانت ثاني عملية تهجير و تشتيت يتعرض لها الوسالتية في العصر الحديث .
و قدرت فالنسي عدد الوسالتية بعد قرن من التشتيت أي في منتصف القرن 19 بحوالي 12500 نسمة منتشرين شمال جبل وسلات في جهات تكثر بها الأنشطة الفلاحية و تعرف التشجير .
تفرق الوسالتية على 80 تجمعا سكنيا من مداشر و قرى و مدن موزعة على مناطق مختلفة من البلاد من أهمها مدينة القيروان ومدن الساحل و مدينة تونس و تستور و بنزرت و الكاف و الوطن القبلي و جهة باجة. و مثلت منطقة زغوان إحدى أهم مراكز تجمع الوسالتية التي تعود أصولهم إلى خمس أولاد إسماعيل و خمس تيفاف نظرا لتشابهها في الكثير من الخصائص مع موطنهم أصلي من حيث أنها جبلية الموقع، كما أنها مثلت منطقة استقرار لعدة مجموعات وافدة مثل الأندلسيين و الطرابلسية .
ورغم أنهم هاجروا إلى مختلف المدن و القرى التونسية في ظروف صعبة و مطاردين من قبل الدولة ، فقد حققوا نجاحات باهرة في الميدان الاقتصادي بعد قرن من استقرارهم بمواطنهم الجديدة، و يعود ذلك إلى خبرتهم في المجال الفلاحي و استغلال مياه الري وهو ما ساعدهم على الاندماج بسهولة مع السكان المحليين ، لكنهم ظلوا محل شبهة و اتهام في نظر الأهالي و السلطة أينما حلوا خاصة أثناء الفترات المتأزمة حيث تكثر أعمال السرقة و النهب و قطع الطريق.
يعود كل الوسالتية المشتتين بمختلف أنحاء البلاد بالنظر إلى عامل خاص بهم يسهر على رعاية شؤونهم ، و كونوا أيضا مليشيات عسكرية تابعة للسلطة شبيهة بعسكر الزواوة .
“
4 comments